السيرة النبوية : الحلقه الواحدة والثﻻثون و الاخيرة
722- ولما كان يوم الأحد قبل وفاة النبي ﷺ بيوم اشتد به ﷺ المرض ، فوصلت الأخبار إلى جيش أسامة رضي الله عنه فرجع إلى المدينة.
723- بات النبي ﷺ ليلة الإثنين دَنِفاً - يعني اشتد مرضه حتى أشرف على الموت - فلما طلع الفجر أصبح مُفيقاً.
724- فكشف رسول الله ﷺ ستر حُجرته ، ونظر إلى الناس وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر الصديق ، فتبسم لِمَا رأى من اجتماعهم..
725- قال أنس : كأن وجهه ﷺ وَرَقَة ُمُصْحف - هو عبارة عن الجمال البارع - فهممنا أن نَفْتتن من الفرح برُؤية رسول الله ﷺ .
726- ثم أخبرهم رسول الله ﷺ بأنه لم يَبْق من أمر النبوة إلا المبشرات ، وهي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن في منامه .رواه مسلم.
727- فلما رأى الناس رسول الله ﷺ قد أصبح مُفيقا ظَنُّوا أنه قد بَرِئ من مرضه ، فانصرفوا إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين .
728- واستأذن أبو بكر الصديق رسول الله ﷺ في الخروج إلى أهله في منطقة السُّنْح في عوالي المدينة ، فأذن له النبي ﷺ .
729- فلما كان ضُحى يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ ، اشتد على رسول الله ﷺ مرضه وجعل يتغشاه بأبي هو وأمي الكرب الشديد .
730- فقالت فاطمة : واكَرْبَ أبتاه ، فقال ﷺ : " لا كَرْب على أبيك بعد اليوم ، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتاركٍ منه أحداً ".
731- وبينما رسول الله ﷺ يُعالج سكرات الموت ، وعائشة رضي الله عنها مُسندته على صدرها ، وبين يديه ﷺ إناء فيه ماء .
732- فجعل النبي ﷺ يُدخل يَدَيه في الماء فيمسح بهما وجهه ، ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات ".
733- ثم نَصَبَ ﷺ يَده ، فجعل يقول : " في الرفيق الأعلى "، فَقُبض ، ومالَتْ يده ﷺ .
734- وفي رواية قالت عائشة : كنت مُسندته إلى صدري ، فدعا بطَسْت ، فلقد انْخَنَثَ - أي مال - في حِجْري ، فما شعرت أنه مات .
735- وفي رواية الإمام أحمد قالت عائشة : فبينما رأسه ﷺ على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه غُشي عليه .
736- وفي رواية أخرى قالت عائشة : قُبض النبي ﷺ ورأسه بين سَحْري ونَحْري ، فلما خرجت نفسه لم أجد ريحاً قط أطيب منها .
737- وكانت وفاته ﷺ بأبي هو وأمي ضُحى يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ ، وعمره 63 .
738- وشاع خبر وفاة النبي ﷺ في المدينة ، ونزل خبر وفاته ﷺ على الصحابة رضي الله عنهم كالصاعقة ، لشدة حُبِّهم له .
739- ودخل الصحابة على النبي ﷺ في بيت عائشة ، ينظرون إليه ، وقالوا : كيف يموت وهو شهيد علينا ، ونحن شهداء على الناس .
740- وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ودخل على النبي ﷺ ، فلما رآه ، قال : واغَشَيَاه ، ما أشَدَّ غَشْي رسول الله ﷺ .
741- ثم خرج عمر من عند النبي ﷺ سالاً سيفه ويتوعد الناس ويقول : والله لا أسمع أحداً يقول : مات رسول الله إلا ضربته بالسيف .
742- وقال أيضا رضي الله عنه : إن رسول الله ﷺ ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ، والله ليرجعن رسول الله ﷺ = .
743- = كما رجع موسى ، فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجُلَهم زعموا أنه مات.
وهكذا لم يتمالك عمر رضي الله عنه من هول مصيبة موت النبي ﷺ.
744- كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه غائبا لما مات رسول الله ﷺ ، كان قد استأذن النبي ﷺ في الذهاب لمنطقة السُّنْح .
745- فانطلق أحد الصحابة إليه ، وأخبره خبر موت النبي ﷺ ، وأن الناس في حال لا يعلمه إلا الله سبحانه .
746- فانطلق أبو بكر الصديق مُسرعاً على فرسه حتى دخل المسجد النبوي ، وإذا بالناس يَبكون ، وعُمر شاهراً سيفه يُكلم الناس .
747- فلم يَلتفت أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى شيء من ذلك ، ودخل على النبي ﷺ وهو مُسجى على سريره ، وكشف عن وجهه الطاهر .
748- وقال رضي الله عنه : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أكبَّ عليه فقبله وهو يبكي ، ويقول : طبت حيا وميتا يارسول الله .
749- والله لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذُقتها ، ثم لن يُصيبك بعدها موتة أبدا ثم غطى النبي ﷺ .
750- ثم خرج رضي الله عنه للناس ، وهم مابين منكر ، وحائر من هول المصيبة ، ورأى عمر وهو يُهدد ويتوعّد من يقول بموت النبي ﷺ .
751- فقال أبو بكر رضي الله عنه : على رِسلك - يعني مهلك - ياعمر ، فأبي عمر أن يسكت فلما رآه لا ينصت أقبل أبوبكر على الناس .
752- وبدأ أبوبكر رضي الله عنه يخطب في الناس ، فلما سمعوا كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر رضي الله عنه.
753- فقال أبوبكر رضي الله عنه: " أيها الناس مَن كان يعبد محمداً فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
754- قال الله تعالى : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ...".
755- قال ابن عباس : والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه .
756- وأخذ البكاء والنشيج في المدينة على موت النبي ﷺ ، ولم تَمر بالأمة مُصيبة أعظم من موت النبي ﷺ .
757- فلما بُويع أبو بكر الصديق بالخلافة ، وذلك يوم الثلاثاء ، أراد آل النبي ﷺ غَسْله ، واختلفوا في ذلك.
758- فقالوا : والله ماندري كيف نَصنع ، أنُجرد رسول الله ﷺ كما نُجرد موتانا أم نَغْسِله وعليه ثيابه
759- فأصابهم كلهم النُّعاس فناموا جميعا ، وسُمِع صوتٌ يقول لهم : اغْسِلوا رسول الله ﷺ وعليه ثيابه
760- فلما استيقظوا ، أخبر بعضهم بعضاً بالذي سَمِعوا ، فقاموا إليه ، فَغَسَلوا رسول الله ﷺ وعليه ملابسه بأبي هو وأمي .
761- وكان الذين تولُوا غَسْل النبي ﷺ :علي بن أبي طالب ، العباس ، وأبناؤه :الفضل ، قثم أسامة بن زيد ، شُقران مولى النبي ﷺ .
762- فكان العباس والفضل وقُثم يُقلِّبون النبي ﷺ، وأسامة وشُقران يَصُبَّان الماء ، وعلي بن أبي طالب يَغْسِل النبي ﷺ .
763- فلما فرغوا من غَسْل رسول الله ﷺ كُفِّن بأبي هو وأمي في 3 أثواب بيض ، ثم وُضِع النبي ﷺ على سريره في بيت عائشة .
764- ثم أُذِن للناس بالدخول على رسول الله ﷺ ليُصلُوا عليه ، ولا يَؤمهم أحد .وهذا أمر مُجمع عليه ولا خلاف فيه .
765- فلما فَرغوا من الصلاة على النبي ﷺ أخذ الصحابة يتشاورون أين يدفنونه ؟؟فاختلفوا في ذلك .
766- فأرسلوا إلى أبي بكر الصديق ، فقال : سمعت النبي ﷺ يقول : " ماقَبض الله نَبيّاً إلا في الموضع الذي يُحب أن يُدفن فيه ".
767- وحُفر قبر النبي ﷺ في الموضع الذي مات فيه ، وهو في بيت عائشة ، ودخل قبر النبي ﷺ العباس وعلي والفضل .
768- ووضَع شُقران مولى النبي ﷺ في قبر النبي ﷺ قَطيفة - أي كساء - حمراء ، ثم أنزلوا رسول الله ﷺ في قبره بأبي هو وأمي .
769- وكان آخر الناس عهدا بالنبي ﷺ هو قُثم بن العباس رضي الله عنه ، وتم دفن النبي ﷺ ليلة الأربعاء صلوات ربي وسلامه عليه .
770- وحزن الصحابة حزناً شديداً على وفاة النبي ﷺ .قال أنس : ما رأيت يوماً قط أظلم من اليوم الذي تُوفي فيه النبي ﷺ
وفي الختام أسأل الله أن يرزقنا محبة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه ـ0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0